سياسة

لهذه الاسباب غادر الادميرال كوبر الى قبرص

ميشال نصر - الديار

في خضمّ التعقيدات السياسية المتصاعدة في لبنان، والتوترات المتنقلة على خلفية خطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، برزت زيارة قائد القيادة الوسطى الأميركية، الأدميرال مايكل كوبر، إلى بيروت كحدث دقيق التوقيت والأبعاد، خصوصاً في ظل التوتر الإقليمي الذي يزداد حدة بين لبنان وإسرائيل، وتطورات الميدان في غزة وسوريا واليمن.

غير أن ما استوقف الأوساط السياسية والأمنية اللبنانية لم يكن مجرّد الزيارة، بل القرار اللافت الذي اتخذه كوبر بمغادرة بيروت سريعاً إلى قبرص، دون عقد لقاءات موسعة مع المسؤولين السياسيين اللبنانيين، على أن يعود لاحقاً إلى الناقورة، حيث مقر قيادة قوات اليونيفيل، على ما تقصدت السفارة الاميركية تسريبه.

هذا التصرف غير المألوف أثار تساؤلات عديدة عن دلالاته السياسية والأمنية، في وقتٍ كان يُنتظر فيه من “الادميرال” إطلاق رسائل مباشرة ترتبط بتوجّه الحكومة في ملف السلاح، وخطة الجيش، حيث جاء كلامه عاما ومقتضبا، بعد لقائه رئيس الجمهورية، حصرا من بين الرؤساء، بوصفه القائد الاعلى للقوات المسلحة، فيما لم تشر صفحة القيادة الوسطى على منصة “اكس” الى أي مواقف محددة له.

في الخلفية، تأتي هذه الزيارة ضمن جولة أوسع للقيادة الوسطى الأميركية لمتابعة ملفات الحدود اللبنانية مع “إسرائيل” والتمديد لقوات اليونيفيل، وتقييم الالتزامات الدولية بالقرار 1701، لكنها أيضاً لا تنفصل عن سياق الضغوط الأميركية المتنامية لدفع لبنان نحو تنفيذ “الترتيبات الأمنية” المقترحة ضمن الورقة الأميركية التي جرى النقاش حولها في الآونة الأخيرة.

مصادر متابعة، قرات في تصرف كوبر، تحولا استراتيجيا دقيقا في نمط التعامل الأميركي مع الملف اللبناني في هذه المرحلة الحرجة، خلافا لما كان يحصل سابقا، مع قدرة القيادة الوسطى، اذ لا يمكن فصل “انسحابه” السريع نحو قبرص، عن حسابات أميركية قيسة بدقة، أخذت بعين الاعتبار هشاشة الوضع الداخلي، ورفض مكونات أساسية أي دور خارجي ضاغط.

من هنا والكلام للمصادر يمكن وضع ما حصل ضمن السياقات الاتية:

– خضوع التحركات العسكرية الأميركية لحسابات دقيقة، نظراً الى حساسية الساحة اللبنانية، من منطلق الحرص على عدم تأزيم المشهد أو إعطاء انطباع بأن واشنطن تمارس ضغوطاً مباشرة على الحكومة أو أي طرف لبناني.

– دقة الأوضاع السياسية في بيروت، خاصة بعد انسحاب الوزراء الشيعة من جلسة الحكومة، وتصاعد الخطاب المناهض للدور الأميركي، اذ المحت المعلومات الى ان مغادرته الى قبرص ارتبطت بتوصيات أمنية وتقييمات استخباراتية بتجنب البقاء في العاصمة اللبنانية في هذا التوقيت.

علما ان معطيات امنية تحدثت عن رفع تعزيز اجراءات الحماية للسفارة الأميركية في عوكر، قبيل ساعات من وصول كوبر، بناء على تقارير استخباراتية أميركية بأن هناك تهديدات ترتبط بمبنى السفارة ومحيطها، حيث تم استقدام مجموعة من القوات الخاصة القوة المولجة اساسا تامين المبنى ومحيطه.

– رغبة كوبر بعدم اعطاء أي طابع سياسي لزيارته، في محاولة لفصل المسارات، اذ ان الهدف الأساسي منها يتعلق بملف مراقبة الالتزام بقرار 1701،وليس الانخراط المباشر في التفاصيل السياسية الداخلية، تاركا تلك المهمة للموفدة الاميركية مورغان اورتاغوس، التي اوصلت رسالة وصفت “بالقاسية”، بهبوطها في مطار بيروت والتوجه الى الجنوب دون قيامها بزيارة أي سياسي.

– وجود كوبر في قبرص يعزز أيضاً التنسيق مع الحلفاء الأوروبيين الموجودين في شرق المتوسط. فقبرص تُستخدم كثيراً كمحطة عسكرية ولوجستية أميركية، وقد تكون الزيارة هناك جزءاً من متابعة أوسع لتطورات المنطقة، خصوصاً في ظل التوتر على أكثر من جبهة (لبنان، سوريا، غزة، والبحر الأحمر).

علما ان الادميرال قام بتفقد الوحدة الاميركية المتمركزة في الجزيرة، والتي تسير رحلات استطلاع فوق الجنوب بشكل دوري مستخدمة طائرات من دون طيار من نوع “MQ9” مزودة بالصواريخ والقنابل، حيث اطلع على تقارير المراقبة، والمعلومات التي تم جمعها.

وختمت المصادر بان ألغاز تلك الزيارة تكاد لا تنتهي، فكوبر واورتاغوس اللذان انتقلا الى الناقورة على متن طوافتين من نوع بوما انطلقتا من قاعدة حامات، التي توجد فيها قوات اميركية خاصة، الى مطار رفيق الحريري الدولي، ومنه الى الناقورة، اصرا على استخدام طوافة اليونيفيل، خلال جولتهما الاستطلاعية على طول الحدود دون مرافقة من قبل أي ضابط لبناني.

 

ad
في المحصلة، يبدو أن واشنطن تعيد تموضعها على الساحة اللبنانية، عبر تخفيف الحضور المباشر في قلب المعادلة السياسية، والتركيز على الجوانب الأمنية والديبلوماسية من خلف الستار، ساعية بذلك للحفاظ على نفوذها، دون خسارة شرعيتها في نظر القوى اللبنانية المتباينة.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى